آراءأخبار وطنيةاخبار الولاياتمقالاتولنا كلمة

حين تُصرف الميزانيات الضخمة على الأجهزة الإعلامية الرسمية، تُطرح تساؤلات حول الجدوى من ذلك

حين تُصرف الميزانيات الضخمة على الأجهزة الإعلامية الرسمية، تُطرح تساؤلات حول الجدوى من ذلك

حين تُصرف الميزانيات الضخمة على الأجهزة الإعلامية الرسمية، تُطرح تساؤلات حول الجدوى من ذلك

اليوم السابع الموريتاني في نواكشوط؛ العاصمة التي تفور بصمت يظهر على قسمات العابرين في شوراعها؛ جرت العادة في بلد يتنفس سكانه السياسة أن يعم السكون الحياة العامة حين يكون الرئيس في سفر خارج البلاد؛ وينتظر الساسة وصناع القرار أول صورة للرئيس ليقيس بين حدثين، تكثر الأسئلة عندما يغيب صاحب القرار، وتتكاثر الروايات حين تغيب الصورة.

عشرون يومًا قضاها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بعيدا عن القصر الرمادي في العاصمة نواكشوط؛ حيث يحكم بلدا مترامي الأطراف تؤرقه تحديات جيوسياسية وتحديات داخلية .
كان آخر ظهور علني لولد الغزواني في يوم 27 يناير ؛ بعدها علم الموريتانيون عبر برقية إخبارية نشرتها الوكالة الموريتانية للأنباء ( رسمية) خبر مغادرته للعاصمة التانزانية دار السلام ؛دون أن تحدد وجهته، فيما تنافست وكالات أنباء ومقربون لمعرفة خبر عن مكان ووجهة ولد الغزواني .
وبعد أيام غزت مواقع التواصل الاجتماعية في موريتانيا سيل أخبار عن تكهنات كانت تدور حول فرضية استفادته خلال أيام الغياب من من عطلته السنوية.

وفي يوم 14 فبراير الجاري؛ استيقظ رواد الشبكات على صورة من الرئيس غزواني يلوح بيده مودعا مستضيفا لم تُحدده المصادر ولم تسعف عدسة صاحب الصورة تبيان ملامحه خلال صورة.
كانت صور مطار اديس بابا أكثر وضوحا؛ وإن أثرت كثافة الأسئلة – التي طرحها المراقبون في نواكشوط حول الغياب والحضور وعن السياق والمآلات – على التغطية الاعلامية لآخر نشاط لولد الغزواني في مأموريته كرئيس دوري للاتحاد الإفريقي.

صورة الرئيس وهو يلوح بيده؛ بدت كما لو أنها التُقطت على عجل، أو كأنها لقطة عابرة من هاتف لا يميز بين التفاصيل، في وقتٍ كانت المناسبة تقتضي مشهدًا يوحي بالوضوح والدقة، يعكس ثقل اللحظة وأهميتها.

لقطات غامضة في لحظات واضحة

الحديث هنا ليس عن صورة عادية؛ إنها اللحظة التي يُطلّ فيها رئيس دولة في مواجهة أسئلة مواطنين تسائلوا وفكروا وخمنوا في دلالات الغياب ورمزية غموض الظهور.
الصورة الحلم ؛ تسببت في نقاش كبير بين المنشغلين بالمجال العام وممتهني الإعلام؛ اذ اعتبرها كثيرون صورة تفتقر إلى أبسط مقومات الجودة، ما أثار تساؤلات حول الأسباب والدلالات.
وعن هذه الجزئية يقول الصحفي الموريتاني المقيم في باريس آداما جابيرا لقبس “على الرغم من أن الإعلام العمومي في موريتانيا ما يزال يعيش زمن “غادر الرئيس” “عاد الرئيس” و”بعث الرئيس برقية” – أي أن تركيزه يبقى على السلطة التنفيذية ونشاطاتها – إلا أنه يظهر هذه الأنشطة بشكل أقل ما يمكن أن نقول عنه هو أنه “مشوَّهٌ” و “مشوِّهٌ” وسط لا مبالاة غريبة وعجيبة من جميع الأطراف المعينية.
ويضيف آداما “رغم الميزانية الضخمة تبدو الوكالة الموريتانية للأنباء مثلا عاجزة عن نشر صورة للرئيس تحترم المعايير المهنية، ولا نشر برقية “مهنية” من حيث المضمون عن نشاطات أعضاء السلطة التنفيذية. وحال الوكالة هو حال الوسائل السمعية البصرية ( مثلا مشاكل في الصوت خلال تغطية أنشطة أو نشاطات الرئيس)

أما المصور الصحفي لمين أحمد يرى أن الصورة أكثر من مجرد إطار؛ هي رسالة وموقف. “حين تخرج صورة رئيس الدولة بهذه الطريقة، لا يتعلق الأمر بجودة تقنية فحسب، بل بتأثير الصورة على الانطباع العام”، يقول لمين، مضيفًا أن الصورة قد تُعيد تشكيل العلاقة بين الحاكم والجمهور، حين تكون واضحة في لحظات الحسم، أو غامضة في أوقات الانتظار.

مسؤولون في عدسة ضبابية

الأمر لم يقتصر على صورة الرئيس. الأمين العام لوزارة الخارجية، دمان ولد همر، ظهر في أول ظهور رسمي له في صور نشرتها الوكالة الموريتانية للأنباء. الصور جاءت بسيطة، لم تحمل ما يعكس أهمية موقعه الجديد.

وفي مشهد آخر، شارك المدير العام لميناء الصداقة، سيد محمد ولد محم، في اجتماع مجلس إدارة اتحاد الموانئ البحرية العربية بالدوحة. الصورة التي وثّقت مشاركته لم تختلف عن سابقاتها؛ زاوية تصوير عادية، وإضاءة تفتقر إلى العمق.

أما وزير الرقمنة أحمد سالم بده، فقد أرسل صورة “سيلفي” من مشاركته في قمة الذكاء الاصطناعي بباريس. الصورة نُشرت عبر صفحة الوزارة على فيسبوك، ثم حُذفت لاحقًا، دون توضيحات.

“سيلفي” لوزير يمثل موريتانيا في قمة دولية حول الذكاء الاصطناعي؟ قد يراها البعض سلوكًا عصريًا، لكن غياب الإطار الرسمي للصورة فتح بابًا آخر للنقاش حول مدى الجدية في التمثيل.

ما وراء الصورة.. رؤية إعلامية غائبة؟

يرى الصحفي محمدي موسى الدهاه أن الشارع قد لا ينشغل كثيرًا بهذه التفاصيل، فاهتماماته تتوزع بين ارتفاع الأسعار ونقص الأدوية. غير أن غياب الإعلام الرسمي عن تقديم تفسير واضح لفترة غياب الرئيس، وما رافقه من تداول روايات غير مؤكدة، جعل من الصورة الضبابية حدثًا بحد ذاته.

وأردف في حديث ل «قبس» “حين يُترك الرأي العام دون معلومات دقيقة، تُصبح التفاصيل الصغيرة مادة للنقاش، وتتحول الصور إلى محور حديث”، يضيف الدهاه، معتبرًا أن الإعلام الرسمي بحاجة إلى مراجعة سياساته الاتصالية، خاصة فيما يتعلق بتغطية تحركات المسؤولين في الفضاءين الداخلي والخارجي.

الإعلام الرسمي.. حضور باهت في لحظات فارقة

في زمن أصبحت فيه الصورة لغة بحد ذاتها، تُعدّ جزءًا من الدبلوماسية العامة للدول، تبرز الحاجة إلى إعلام رسمي قادر على تقديم رسائل بصرية تعكس مكانة الدولة وموقعها الإقليمي والدولي.

حين تُصرف الميزانيات الضخمة على الأجهزة الإعلامية الرسمية، تُطرح تساؤلات حول الجدوى من ذلك إذا كان الناتج لا يرتقي إلى اللحظة. أين الفرق الإعلامية المتخصصة؟ ولماذا يُترك الأمر لاجتهادات فردية قد لا تتناسب مع أهمية الحدث؛ يقول الصحفي محمد الدده ل ” قبس”.

لكن المعضلة الحقيقية، كما يرى عدد من الصحفيين الموريتانيين، أن الإعلام الرسمي في موريتانيا ما يزال أسير رؤية تقليدية تفتقر إلى الديناميكية والمهنية. فقد باتت المؤسسات الإعلامية الثلاث (الوكالة الموريتانية للأنباء، التلفزيون، والإذاعة) في نظر كثيرين غير قادرة على مجاراة اللحظة أو تقديم تغطيات تعكس ثقل الأحداث.

الصور الأخيرة التي خرجت من موريتانيا ليست مجرد لقطات؛ بل مشاهد تختزل رؤية إعلامية ما تزال تبحث عن وضوحها. ففي وقتٍ تتحول فيه الصورة إلى خطاب سياسي ورسالة دبلوماسية، لا تزال اللقطات الرسمية في موريتانيا أسيرة عدسات عادية ورؤى تقليدية.

خطورة الصورة

حين يتعلق الأمر بأنشطة رئيس الجمهورية، تصبح الصورة والمعلومة الدقيقة أكثر من مجرد تفاصيل؛ تصبح جزء من صناعة الصورة الذهنية للدولة. الحضور الإعلامي الرسمي في مثل هذه المناسبات يرسل رسائل تتجاوز الحدود، ويعكس قدرة الدولة على إدارة خطابها السياسي والدبلوماسي.

تأخر الإعلام الرسمي في تقديم صورة واضحة للرئيس خلال رحلته الأخيرة، أو ظهور مسؤولين كبار بلقطات ضبابية أو غائبة عن السياق، لا يُظهر فقط قصورًا تقنيًا، بل يكشف عن فجوة في الرؤية الاتصالية للدولة. فالإعلام الرسمي ليس مجرد وسيط؛ بل هو امتداد لصورة الدولة في الداخل والخارج.
وعن هذه الجزئية يرى محمد سالم وهو إعلامي موريتاني مقيم في الخليج العربي أن “صورة رئيس الجمهورية في الإعلام هي تكريس لصورة نمطية لم تتغير منذ سنوات الاستقلال، فتغطية الأنشطة الرئاسية بشكل عام تتم وفق قوالب محاطة بهالات من التوجس من الوقوع فق الزلل أو الخطأ الذي لا يرى الصحافيون الرسميون غير التمسك بجمود القوالب عاصما”.

وهذا الأمر ينعكس على مهنية التغطيات و يقلل من القيمة الخبرية للأنشطة الرئاسية بالتركيز على إشراف رئيس الجمهورية على الحدث وإهمال غير ذلك من الزاويا والخلفيات المهمة

ويبقى السؤال: هل سترى البلاد مستقبلًا صورًا أكثر وضوحًا تعكس لحظات فارقة في تاريخ البلاد، أم ستظل العدسات تلتقط المشهد من زوايا ضبابية لا تُظهر التفاصيل

لا بواكي للإعلام العمومي

في السنوات العشر الأخيرة؛ قفز سقف طموح المتلقي الموريتاني الذي ينتظره من إعلام الخدمة العمومية؛ بفعل تعرفه على أنماط انتاج عالية الجودة؛ كما مشاعية الوصول الى المعلومة حسرت المنتظر من الاعلام الرسمي وشبه الرسمي .

ويرى آداما جابيرا أنه على ” الإعلام العمومي مواكبة العصر من حيث المضمون والشكل ووضع حد لعصر “غادر و عاد وبعث الرئيس ) – ومن أجل ذلك يتطلب الأمر الاعتماد على أصحاب التخصص وعدم تكبيلهم، على المستوى المهني و لا على المستوى المادي ( أي منحهم رواتب “محترمة”، مع حضور المراقبة و المحاسبة دائما”.
ويرى أحمد وهو اسم مستعار لرئيس تحرير في مؤسسة إعلامية عمومية فضل عدم الكشف عن هويته أن” أكبر تحد يواجهه الإعلام العمومي هو الهشاشة المهنية فهذه المؤسسات رغم تشغيلها لمئات العمال تعاني نقصا كبيرا في الصحفيين المهنيين المحترفين بسبب عقود سابقة من الفساد لم يكن اكتتاب الصحافيين يخضع لضوابط مهنية وقانونية بل يتم على أساس القرابة والزبونية والجهوية”.

قبس ـ نواكشوط ـ أقريني أمينوه ـ محمد عبد الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى