آراءأخبار وطنيةاخبار الولاياتثقافةمقالاتولنا كلمة

الحراطين بين ماضي التهميش وطموح التمكين

الحراطين بين ماضي التهميش وطموح التمكين

نص المداخلة التي قدمتها في ندوة ميثاق الحراطين التي مازالت مستمرة الآن:
بسم الله الرحمن الرحيم

اليوم السابع الموريتاني الحراطين بين ماضي التهميش وطموح التمكين

في أطروحته للدكتوراه والمنشورة في كتاب بعنوان:
الحراطين : المشهد السياسي الموريتاني
Les haratins : lepaysage politique
mauritanien
منشور يونيو 2003
حاول العربي ولد السالك التوقف عند مقاربة تشخيصية لخصها بقوله: “في التركيبة الحالية للمجتمع الموريتاني، تبقى مكونة الحراطين في وضع اجتماعي تابع، انطلاقا من تصورات ماضوية مناقضة للمنطق الجمهوري”
ينطلق عنوان الندوة من ثنائية ليست مسلمة فلا التهميش بماض ولى، ولا التمكين بطموح عند كل المنتمين لمكونة الحراطين، ولكننا باعتماد منطق الغلبة فإن التهميش في الماضي أكثر منه في الحاضر وطموح التمكين يسود في أغلب نخبة الحراطين، ومن هنا يكون العنوان صحيحا وربما دقيقا.
يتوزع هذا الحديث إلى جملة من الفقرات تترجم في مجموعة من الخطوات:

– الخطوة الأولى : هي الاعتراف، هناك خوف غير مفهوم وغير مقبول من التصريح بحقيقة ما عاناه ويعانيه مجتمع الحراطين، وإذا رفعت عقيرتك بهذه المعاناة تجد من يتهمك بإثارة الفتنة ونكإ الجراح، كأن الجراح التأمت وأصبح الحديث عنها نكأ لها
عاش مجتمع الحراطين وضعية مؤلمة وعرف معاناة حقيقية أثرت عليه اجتماعيا ونفسيا، عاش رقا بكل ماصاحبه من مظاهر التملك والإهانة والإذلال، عرف تجهيلا وتفقيرا ممنهجين ترتب عليهما إلحاق عملي ونفسي بالمجتمع المهيمن.
ويعيش مجتمع الحراطين – وهنا لانتكلم عن الماضي فحسب – بقايا من الرق ممارسة وسلوكا هي في الأطراف أكثر منها في المركز، وفي الخفاء منها أكثر من العلن، ويعرف مخلفات الرق اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا وثقافيا وأحيانا سياسيا، أما مظاهر الغبن والتهميش فلاتخطئها العين في أماكن تجمع فقراء ومستضعفي مجتمع الحراطين.
هذا الاعتراف بالواقع دون تهوين – لإضعاف الروح الاحتجاجية – أوتهويل – لإذكاء منطق الإثارة والانتقام – هو المدخل الطبيعي للإنتقال من حال التهميش نحو طموح التمكين.

الخطوة الثانية : التحرر من عقدة الهوية
هناك نقاش يتجدد كل مرة للإجابة على سؤال : من هم الحراطين؟
لايهمني هنا البحث التقليدي في أصل التسمية، هل تعود إلى الحراثين ثم صحفت، أم تعود إلى حر طارى اتصلت، بل الذي يستحق التوقف هو هوية الحراطين، وبعيدا عن التنافس على العدد والاستقواء بالحراطين الذي تعبر عنه مكونات المجتمع الأخرى، ويظهر جليا في المقدمة التي كتبها الرئيس صمبا تيام منذ فترة لكتاب “كنت في ولاته” لمؤلفه بوي آلاسان هارونا، بتصنيفه أهل البلاد إلى سود أصلاء (ومنهم الحراطين) وبيض أوملونين جاؤوا مهاجرين، كما يظهر فيما أسماه الباحث المقتدر المختار ولد نافع بالهوية الطاردة والمطاردة عند البيظان: فقبائل البيظان في الأغلب الأعم راغبة في الحراطين حين يتعلق الأمر بالتقويم العددي والمقارنة مع الآخرين (فهي مطاردة) وهي زاهدة في الحراطين حين يتعلق الأمر بالصدارة والقيادة والمكاسب (فهي طاردة)
الأصول في هذه البلاد – كما في كثير من البلدان – لاتسعف بحل إشكال الهوية، والحراطين بالنظر إلى الموضوع الثقافي بمعناه القريب والبسيط من المكونة العربية، وأتجنب هنا القول من البيظان لارتباط المصطلح باللون، وللإحساس بمعنى الإلحاق فيه، وممارسة ظلم واستعباد على جزء من مجتمع لايخرجه من انتمائه الثقافي والاجتماعي.
ولن يكون لنقاش الهوية معنى إلا بإخراجه من دائرة التنافس العددي وابتغاء الأغلبية الديمغرافية، ففي مجتمع المواطنة لامعنى للأغلبيات القدرية (لااختيار للإنسان فيها) وإنما الاعتبار للأغلبيات الاختيارية التي يتمايز فيها بناء على برامج ورؤى واختيارات.
الأستاذ محمد يحي حسني في عمله البحثي القيم عن النضال المدني للحراطين اختار منطقة وسطى في نقاش الهوية هذا عندما قال:
“وكخلاصة مستعجلة في صدد مناقشة هوية الحراطين يمكن القول إنه تحول مجموعة من المعطيات السوسيو-ثقافية أمام تصنيف الحراطين كعرقية أوقومية، ونحن أميل إلى اعتبار الحراطين إثنية بالمعنى الأنتربولوجي لهذا التصنيف ككلية لغوية وثقافية وجغرافية ذات حجم معقول”
سواء اعتبرنا الحراطين عربا (وهو ما تسنده الوقائع الاجتماعية والمؤشرات الثقافية) أواعتبرناهم مكونة مستقلة( وهو ما تشجعه وحدة المعاناة وبعض الخصائص المميزة ) فإن الحراطين قضية عادلة عاش أصحابها مظلمة قاسية وعرفوا الغبن والتهميش، وهويتهم الحقيقية هي تحررهم ووولوج طريق الحضور والتمكين.

الخطوة الثالثة : تحرير الإسلام والتحرر به
حقيقتان لامناص من تقريرهما هنا :
أما الأولى فهي أن الإسلام دين تحرر وانعتاق، هكذا أراده المشرع، وهكذا ترجمته النصوص الأصلية الصحيحة، وهكذا فهمه المستضعفون والمعبدون والمشردون يوم نزل على الناس، فأصبح بلال وصهيب وسلمان سادة وارتقى ابن مسعود المرتقى الصعب على لغة أبي جهل وهو على الأرض و” رويعي الغنم” يعلوه
وأما الثانية فهي أن ماوظف عامل في استعباد الناس في هذه الأرض كما وظف العامل الديني والثقافة الفقهية السائدة، بل إن كثيرا من ضحايا الاسترقاق كان يعتبر التحرر من العبودية تمردا على الدين.
ولأن الإسلام تعرض لهذا التوظيف والاستغلال، تكون البداية بتحريره من القراءة الاستعبادية، وبلورة خطاب إسلامي تحرري تقدمي يقطع مع ثقافة الاستعباد وتمجيد الاسترقاق، وفي نصوص الكتاب والسنة ومقاصد الشرع الثابتة بالاستقراء وميراث علماء ومفكري التحرر أرضية مساعدة على هذا الهدف الكبير : تحرير الإسلام، أما التحرر به فلازم ومتعين ومنتج، فتأثير الخطاب الديني مشهود ومعروف، واطمئنان تيار التحرر أنه بالإسلام يتحرر لامنه مطلوب ومؤكد، والتجارب تؤكد أن الناس تريد الإسلام وتنشد الحرية فاجمعوا بينهما، وليس ذلك بالغريب لابالنظر لانطلاقة الإسلام ولابالنظر لأصوله ومقاصده ونصوصه.

الخطوة الرابعة : كسب الأنصار لاخلق الأعداء : وهذا منطق من يريد النجاح لا الإثارة، ويبغي تحقيق الأهداف لااستفزاز العامة، من المسائل المساعدة حالة الإجماع التي لايشذ عنها إلا القليلون حول مسألتين : الأولى: رفض الرق واستهجان تبرير العبودية
الثانية: الاعتراف بحق الحراطين في الإنصاف والتعويض والتمييز، لايهمني عدم صدق البعض في ذلك، ولايهمني أنه يقوله نظريا ويأباه عمليا، الذي يهمني هو توظيف هذا الإجماع لتوسيع دائرة الأصدقاء مما يقتضي الترحيب بكل موقف إيجابي، فالقضايا العادلة لايخدمها تكثير الأعداء وجعل الكل رافضا أومتحفظا، فميزان قوة واسع يساعد على تحقيق الأهداف،
ولعله من المفيد هنا طرح فكرة يتحفظ منها البعض، ألا وهي أن الذي ينتمي للفكرة التحررية أهم من الذي ينتمي للشريحة الاجتماعية فقط، فالحاملون للواء التحرر والانعتاق – وإن لم يكونوا من الحراطين مثلا – أولى في مشروع التحرر والتمكين من أبناء الشريحة القابلين بالتبعية أوالزاهدين في مقاربة التحرير.

الخطوة الخامسة : التمكين استحقاق
التمكين مصطلح يستعمل في الأدبيات السياسية والحقوقية للدلالة على حاجة مكون مهمش أوفئة مستضعفة أوشريعة متأخرة إلى خروج ذلك المستوى ودخول عالم المساواة والندية مع الآخرين، فهو نفوذ بعد تهميش وتمكين بعد ضعف، ودون شك فإن تمكين الحراطين استحقاق بكافة المعايير والاعتبارات:
– ماضي الظلم وواقع التهميش يقتضيه
– العدد والحضور الديمغرافي يفرضه
– مقتضى المساواة والمواطنة والعدل يسلزمه
إن التمكين المدعو له هنا ليس على حساب أحد إلا إذا كان يريده كذلك، وليس إضعافا لأحد إلا إذا كان يريد احتكار الحضور والقوة والنفوذ
إن التمكين المطلوب – والمطلوب لكل مهمش أومتأخر – هو تجسيد للمساواة وترجمة للمواطنة الحقة والمتساوية، وهو مطلوب على كافة الصعد حتى تصبح كل مكونات وفئات وشرائح الوطن شريكة في الخيرات العامة لبلادها، فنكون إذا نظرنا للدولة وأجهزتها، لرجال الأعمال ومؤسساتهم، لمشهد الإعلام والثقافة والفن، للدبلوماسية وسفاراتها والإدارة وهياكلها، نرى تنوع البلاد وتعدد البلاد وثراء البلاد وكل أبناء البلاد، وبالمناسبة هذا ليس استبعادا للكفاءة والاستقامة فتلكما يشترك فيهما كل الموريتانيين، كما يشترك في نقيضهما موريتانيون من كل الألوان والانتماءات.

من أهم ما نشر في موضوعنا ما كتبه الباحث المقتدر محمد يحي حسني ” مجتمع مدني في مواجهة الدولة: النضال المدني للحراطين في موريتانيا ” فعليكم بقراءته تعرفون حقيقة التهميش وتدركون أبعاد الطموح نحو التمكين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى