زيدان ولد احميده.. الوزير الذي ورط نفسه في تحقيق دولي ليثبت براءته
زيدان ولد احميده.. الوزير الذي ورط نفسه في تحقيق دولي ليثبت براءته

زيدان ولد احميده.. الوزير الذي ورط نفسه في تحقيق دولي ليثبت براءته
نادراً ما يُقدم مسؤول حكومي سابق في بلد نامٍ على خطوة جريئة تجعل قضيته تتجاوز الحدود الوطنية لتصل إلى أجهزة تحقيق دولية.اليوم السابع الموريتاني
هذا بالضبط ما فعله الوزير الموريتاني السابق للنفط والطاقة زيدان ولد احميده، حين اختار أن يدخل بنفسه في مسار معقّد مع الشرطة الفيدرالية الأسترالية (AFP)، في محاولة لإثبات براءته من تهم الفساد التي لاحقته عقب سقوط النظام الذي خدم فيه.
قصة ولد احميده هي في جوهرها تداخل بين النفط والسياسة والقانون الدولي، وهي تكشف الكثير عن طبيعة التحالفات التي تنشأ حين تتشابك مصالح الشركات العملاقة مع التحولات السياسية الداخلية في البلدان الغنية بالموارد.
من عقد 2001 إلى الاعتقال
بدأت القصة مع العقد النفطي الموقع عام 2001 بين حكومة موريتانيا وشركة Woodside Petroleum الأسترالية لتطوير حقل شنقيطي البحري. ومع مرور الوقت، أُدخلت تعديلات عدة على العقد، بلغ عددها أربع تعديلات رئيسية، وهو ما فتح الباب أمام جدل سياسي واقتصادي واسع.
في ديسمبر 2005، وبعد الإطاحة بنظام ولد الطايع الذي كان ولد احميده أحد وزرائه، اعتقل الوزير السابق وسُجن بتهم تتعلق بالفساد، أبرزها مزاعم بأنه زوّد الشركة الأسترالية بمعلومات حكومية سرية مقابل منافع شخصية.
رواية الدفاع: تصفية سياسية
منذ البداية، نفى ولد احميده التهم الموجهة إليه، مؤكداً أن التعديلات تمت بعلم وموافقة الحكومة الموريتانية، وأنها لم تمنحه أي منفعة خاصة. بل ذهب أبعد من ذلك حين قال إن القضية ليست سوى تصفية سياسية بعد تغيير النظام، استُغلت فيها أوراق النفط لتبرير إقصائه وتشويه سمعته.
شركة المحاماة الدولية Steptoe & Johnson، التي تبنت قضيته، دعمت هذا الموقف برسائل رسمية وجهتها إلى وزير العدل الأسترالي، اتهمت فيها بعض موظفي Woodside بتقديم شهادات مضللة أسهمت في رسم صورة مشوهة عن موكلها وخاصة مسؤول العلاقات الخارجية في Woodside Branden auguestun ي مثوله امام قاضي التحقيق جمال ولد حمزة
خطوة فريدة: من نواكشوط إلى باريس
في العادة، يسعى المسؤولون المتهمون بالفساد إلى تجنّب التحقيقات الدولية، لكن زيدان ولد حميده اتخذ مساراً معاكساً. ففي أكتوبر 2007، وافق طوعاً على مقابلة مع محققي الشرطة الفيدرالية الأسترالية في العاصمة الفرنسية باريس.
هذه الخطوة الفريدة كانت مبادرة شخصية منه، إذ لم تُفرض عليه المقابلة بل بادر إليها ليقدّم روايته أمام جهة خارجية لا تخضع للضغوط السياسية في موريتانيا. وبذلك، أدخل الوزير السابق نفسه عمداً في قضية دولية، ليبرهن على استعداده الكامل للتعاون، وليؤكد أنه لا يخشى التحقيق بل يرحّب به.
موقف السلطات الأسترالية
رد وزير العدل الأسترالي في حينه، السيناتور ديفيد جونستون، على رسائل محامي الدفاع مؤكداً أن الشرطة الفيدرالية الأسترالية مهتمة بالتحقيق، وأنها ستتواصل مع ولد حميده.
وفي رسالة لاحقة عام 2008، أوضح الوزير أن التحقيق بدأ فعلياً في أكتوبر 2006، وذلك عندما قدمت السناتورة الأسترالية السيدة كريستين ميلين المنتخبة سناتورة عن ولاية اتسامانيا شكوى للشرطة الاسترالية الفيدرالية وكان ذلك هو المقدم الفعلي للتحقيق في شبهات دفع رشاوي من شركة Woodside الأسترالية خاصة بعد الاتفاق مع السلطات العسكرية ودفعها لمبلغ 100 مليون دولار وإلقاء الاتفاق السابق الذي وقعه الوزير إبان قيادته للقطاع وكان بودي الشرطة الفيدرالية الأسترالية تحقيق مع مسؤولين غير أن الظروف السياسية لنواكشوط حالت دون ذلك
لكن ما لم تستطع الظروف السياسية منعه، هو مقابلة باريس التي أُجريت مع ولد احميده في أكتوبر 2007، والتي تمت بشكل طوعي كامل. وفي نهاية المطاف، خلصت الشرطة الأسترالية إلى أنها لم تجد أي نشاط فاسد أو غير قانوني، لا من طرف الشركة ولا من طرف الوزير السابق. خصوصا في مايقال أن الشرطة الفيدرالية الأسترالية أغلقت القضية ضد Woodside في تلك المرحلة لعدم وجود أدلة كافية مما يوحي بتبرئت غير تامة بنظر بعض الخبراء القانونيين وبعض خبراء السياسة والاقتصاد
رغم أن نتائج التحقيق الأسترالي جاءت لصالح ولد احميده، إلا أن القضية ألقت الضوء على الدور الملتبس الذي لعبته شركة Woodside في تلك المرحلة.
يرى بعض المحللين أن الشركة لم تحافظ على مسافة متساوية من جميع الأطراف، بل وجدت نفسها أقرب إلى السلطات العسكرية التي تولت الحكم بعد التغيير السياسي في موريتانيا. هذا القرب، في نظر هؤلاء، ساهم في ترسيخ الاتهامات ضد الوزير السابق.
قراءة اقتصادية: رأي د. يحيى ولد أعمر
المثير للاهتمام أن تقييم العقد وملحقاته من زاوية اقتصادية لا يدعم بالضرورة السردية التي اعتُمدت لتجريم ولد احميده. ففي مقال تحليلي، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور يحيى ولد أعمر ولد محمد أبيطات إلى أن الملحقات التي أُضيفت للعقد تضمنت 82 مادة، منها 66 مادة في صالح موريتانيا و16 فقط في صالح الشركة.
هذه الأرقام تجعل من الصعب القبول بفكرة أن الوزير كان يعمل حصراً لخدمة مصالح Woodside على حساب بلاده. على العكس، قد يُفهم أن المفاوضات كانت تميل أكثر لمصلحة الدولة الموريتانية، وهو ما يتناقض مع صورة “الوزير الفاسد” التي رُوّجت بعد سقوط النظام.
أبعاد سياسية بحتة؟
تجربة ولد احميده تُظهر كيف يمكن للملفات الاقتصادية الكبرى أن تُستغل في سياقات سياسية داخلية. فالتحقيق الدولي، الذي يفترض أن يركّز على الجوانب القانونية والمالية، انتهى دون إدانة، في حين ظل الرجل يواجه تبعات سياسية واجتماعية في بلاده.
بعض المراقبين يرون أن القضية لم تكن لتأخذ هذا الحجم لولا التغيير السياسي في موريتانيا، حيث استُخدمت كأداة لتصفية حسابات مع رموز النظام السابق.
للاطلاع على الوثائق أضغط على الرابط التالي: https://leyam.net/archives/64688
#الأيام_نت