أخبار وطنيةاخبار الولاياتمقالاتولنا كلمة
الغزواني يفتح باب «الحوار الوطني»: لماذا الآن؟ وما الذي يريده من وراء ذلك؟
الغزواني يفتح باب «الحوار الوطني»: لماذا الآن؟ وما الذي يريده من وراء ذلك؟

الغزواني يفتح باب «الحوار الوطني»: لماذا الآن؟ وما الذي يريده من وراء ذلك؟
اليوم السابع الموريتاني – منذ أشهر والساحة السياسية الموريتانية تعيش على إيقاع كلمة واحدة تتردد في خطابات السلطة وبيانات الأحزاب وقراءات الصحافة: الحوار. الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني جدّد دعوته أكثر من مرة إلى “حوار وطني جامع” لا يُقصي أحدًا، ورأى فيه مدخلًا لتثبيت الوحدة الوطنية وتحصين البلاد في مواجهة التحديات، معتبرًا أن التشاور هو السبيل الأمثل لتدبير الشأن العام.
لكن السؤال الذي يطرحه الرأي العام: ما دوافع هذه الدعوة؟ ولماذا في هذا التوقيت تحديدًا؟
أولًا: وعدٌ انتخابيٌّ قديم يعود إلى الواجهة
إحدى أكثر الخلفيات وضوحًا هي أن الحوار كان عنوانًا مركزيًا في برنامج الغزواني الانتخابي، وكرّره بوضوح في خطاب التنصيب، حين شدّد على أن الحوار ينبغي أن يكون “جامعًا وصريحًا ومسؤولًا” ولا يترك أي ملف جوهري خارج النقاش.
وبعد إعادة انتخابه لولاية ثانية، أصبح الوفاء بهذا الوعد ضرورة سياسية وأخلاقية أمام أنصاره وخصومه في آنٍ واحد، خصوصًا أن تجارب موريتانيا السابقة مع الحوارات كانت غالبًا مرتبطة بلحظات سياسية حساسة.
ثانيًا: ترسيخ الوحدة الوطنية وتحصين «الجبهة الداخلية»
في خطاباته الأخيرة، خصوصًا خلال جولاته الداخلية، وضع الغزواني الحوار في إطار “ترسيخ الوحدة الوطنية وتوفير أرضية مشتركة للمستقبل”. وذهب إلى حد القول إن توسيع المشاركة السياسية هو الطريق لتقوية الجبهة الداخلية وحماية البلاد من أي اهتزازات.
هذه الإحالة على “الوحدة” ليست عابرة؛ فهي ترتبط بملفات اجتماعية وتاريخية حسّاسة في موريتانيا، من آثار التفاوتات الاجتماعية إلى سؤال الهوية والاندماج، وهي قضايا ترى السلطة أن إدارتها بالتوافق أقل كلفة من تركها للتجاذب أو الشارع.
ثالثًا: مراجعة النظام السياسي والدستوري… لا مجرد لقاء شكلي
من أبرز ما يميز نداء الغزواني للحوار هذه المرة أنه لم يقدّمه كـ “جلسة مصالحة”، بل كـ محطة مراجعة شاملة للنظام السياسي والمؤسساتي. فقد دعا صراحةً إلى أن يكون الحوار فرصة للتفكير “الهادئ والمسؤول” في مستقبل الحكم والمؤسسات الدستورية.
وتتداول القوى السياسية أن أجندة الحوار مرشحة لبحث ملفات مثل:
-
إصلاح المنظومة الانتخابية وقواعد التنافس السياسي.
-
توازن السلطات وتحديث المؤسسات الدستورية.
-
الحكامة ومحاربة الفساد وتطوير الإدارة.
-
اللامركزية وتوزيع التنمية بين الولايات.
-
ملفات حقوقية واجتماعية ترى المعارضة أنها مؤجلة منذ سنوات.
هذا الطابع “الإصلاحي” هو ما دفع السلطة إلى تعيين منسّق للحوار من شخصية ذات تاريخ مع المعارضة (موسى فال)، بهدف بعث رسالة ثقة حول جدية المسار.
رابعًا: احتواء الاستقطاب بعد الانتخابات
إعلان الحوار جاء أول مرة في أجواء ما بعد الاستحقاقات الرئاسية، وخلال إفطار سياسي جمع الموالاة والمعارضة ومرشحي الانتخابات الأخيرة. في تلك اللحظة بالذات، كان مطلوبًا امتصاص توتر ما بعد المنافسة الانتخابية وإعادة ضبط العلاقة بين الفاعلين.
وتؤكد المصادر الرسمية أن الحوار سيكون “شاملًا ولن يستثني طرفًا سياسيًا”. هذا التأكيد المتكرر يهدف إلى سحب فتيل المقاطعة مبكرًا، بعدما فشلت حوارات سابقة في تحقيق نتائج بسبب غياب أطراف مؤثرة أو انسحابها.
خامسًا: توقيت حساس وضغط اجتماعي واقتصادي متصاعد
التقارير الحديثة التي واكبت المرحلة التمهيدية تشير إلى أن إنهاء المشاورات وتسليم خلاصاتها للرئيس جاء وسط ترقّب شعبي مرتفع ودعوات لإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.
بمعنى آخر، السلطة ترى أن تجديد التوافق السياسي شرطٌ لتمرير أي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي كبير بدون صدام. ولذلك يظهر الحوار كأداة استباقية لتنظيم الخلاف داخل قاعة تفاوض بدل بقائه في الشارع.
سادسًا: رهانات النجاح… وهواجس الأطراف
رغم الترحيب الواسع مبدئيًا، لا تخلو الساحة من هواجس حقيقية:
-
هل سيكون الحوار مُلزِمًا بنتائج قابلة للتنفيذ؟
تجارب سابقة انتهت بتفاهمات بلا آليات متابعة واضحة. -
ما سقف الملفات المطروحة؟
بعض الأصوات تحذّر من استبعاد قضايا تعتبرها “جوهريّة وهووية”. -
مستوى الثقة بين الحكومة والمعارضة
وهو العامل الذي يصنع الفرق بين حوار “توافق” وحوار “تدبير أزمة مؤقت”.
الخلاصة: دعوة لها أكثر من هدف
يمكن تلخيص دوافع الغزواني في نقاط مترابطة:
-
تنفيذ وعده الانتخابي بإطلاق حوار جامع بعد الانتخابات.
-
ترسيخ الوحدة الوطنية وتحصين الداخل من التوترات.
-
فتح ملف الإصلاح السياسي والدستوري بشكل واسع.
-
تقليص الاستقطاب وإشراك المعارضة في صياغة قواعد اللعبة السياسية.
-
تهيئة مناخ توافقي يسمح بإصلاحات اقتصادية واجتماعية لاحقة.



